Thursday, 7 July 2016




5-  فــتـرة الصمــت أو هـجـر الشـعــر

مـرت مرحلـة زمنـيـة مـن عـمـر الجعـفــري , أتسمـت بالشحـة فـي قـول الشعــر. أشارلتلك المرحـلـة أكـثر من كاتـب ومتتـبـع لنشـاطـه . فمنـهـم من عـبـّر عـنهــا بقـولـ: ‹ الـهـــزار النـاطـق بالأمس , والـصـامـت الـيـوم › كالدكـتور محـسن جمـال الديــن 61 . ومنهـم من سـمّـاهــا ‹ مـرحــلـة الصمــت › , كمـا أشـار لهـا الــدكتـور عـلـي جواد الطـاهــر 62. وشـاركـه في هـذه الـتسـمــيــة , الاديب النـاقـد الاستاذ عـبد الجبـار البصـري 63. وقـد أرجع الغالبـيـة مـن الكـتّاب فـترة ‹ الـصمــت › اوهـجـر الـجعــفــري للـشعــر, الى إنـشغـاله , بمقــتـضـيات الـحـيـاة او الانــصـراف للـنشـاط التربـوي . فــيـقـول الدكتـور الطــاهــر , وبــنـفـس الـمصدر السابـق , « فــلا يـعــود ذلك الجـعـفــري الشـاعــر الشهـــيــر , وإن عـوض عـن ذلك بالـتألـق فــي التدريـس ورعـايـة الجيــل» 64 ...

ولكــن المتتـبـع عـن كـثـب , يـرى أن أسـبابـاً أخــرى قـد تفاعـلـت فـي نفـس الجعـفــري وذهـنـه ,هـي التي جعـلــتـه يهجــر الشعــر . وإن صح التـعـبير , الأبتـعـاد عـن الــمـيـدان او المسرح كما يقال ! وما التــذرع بالعــمـل الـتـربـوي إلا واجهـة لـتـلـك الحالـة ‹ الـظـرف › لــديـه . ..
ومـع ذلـك لـم تـهـدأ محاولات أصدقـاء الجعـفـري , ومحبـيـه والمعجـبين بشـاعـريتـه عـند هـذه المرحـلـة . فـنجـد صديقـه الشـاعـــر السيـــد محـمــــود الــحــبـوبـي 65, راح يـهـــيّـج شـاعـريــتـه بمقطـوعـة رقــيـقـة مؤثــرة , نـقـــتـطـع مــنـهـا هــــذه الابـــيـات :                                    

"أبـا ريـاض" ومــا أدري ولا الـــنــاس  لـم نـاب غــرّيــد روض الـشـعــر إخـراس
أوحشـت أنــديــة قـد كـــنــت مـؤنـســهــا حـيــنــا فـهـل يـعـقــب الأيـحــاش إيــنـاس
أبـا ريـاض أعـــد لـلــروض بــهــجـــتــه ولــيــنــفــح الــفــل ّ ولــيـعــبـق بــه الآس
كـانــت أواهـــل لـمـّــا كــنــت شـاعــرهــا وقـــد ســكـــتّ طــويــلاً فــهـــي أدراس
أبـا ريـاض ريــاض الــشـعـــر آســـفــــة إن راح يـعـــمــل فــيـهــا بـعــدك الــفـاس

ومـع ذلـك, فـبـالـرغـم مـمـا كـان يـنـتـابـه مـن صـراع داخلـي , لأخـتـلاف مقـاصـده عـن مقـاصد معاصريه . فـقـد أجـاب الـجعـفـري رفـيـقـه الحـبـوبي السيـد محمــود , بقـصيـدة نـقــتـطـع منهـا هـذه الأبيــات فــيـقـول في مـطلعـهـا 66 :

أمــا تـــرى الـــزهـــر بــثــغــــر بـاســــم يــشـكــر مــا أســـدت يـــد الــغــمــائـــم
حــيــا الــحــيــا ريــاضــه فـــمــــزّقـــت أنــــوارهــــــا أرديـــــة الـــكـــمــــائــــم
وأنـــبـعــثـــت آمــالــــهـــا كــمــا أتــــت تـسـتــقــبــل الــحــيـــاة عـــيــن الـنـائـــم
روح جــــديــــدٌ وشــــبـــابٌ و هــــــوىً حــــلّ مــحـــل الأعـــظـــم الــرمـــائــــم
بـــورك مـن أرسلـهـا تـحـيـة قــدســـــــــــــيــــة تـــعــــبـــــــق بـالـــــمـــكــــــارم
كـأنــمـــا إذ صــرّعـــت قـــد رصّــعـــت أبــــيــــاتــهــا بـالــــدرر الــــتــــوائـــــم
صيـغــيـت مـن اللـّطـــف فـلـو نسـبــتهـا لأنـــتــســبــت مـــزهـــــوة لـــهـــــاشـــم
رقـّــت كأنــفــاس الــصــبـا او وجــــنـــــات الـــغـــيـــد أو أدمــعـي الــســواجـــم

ثــم يعـــرّج ويــشـيــر, ولـو مـن بــعــيــد, الـى مـعـانــاتــه فــيـخـاطــبـه :

و عـــاذل أعـــزّ مــن قــــلــــبــي وإن لـــم أُلـــفــي قــلـــبـي قـــبــل هـــذا ظـالــــم
أنـــحـــى عــلـــيّ بـالـــمــلام نـاســيـــاً  كـــم يــوجــع الـمــلــوم عــــنــف الـلائـــم
مــاذا الــســكــوت والــزمـــان نـاطـــق  بــكــــلّ مـــا فـــيـــه مـــن الــمــعــــالــــم
أجــــبـــتــــه وللـــظــــروف ســـــــورة  أقــسـى عــلـى قـــلـبـي مـن الـــضــرائــم
فـلــو أحـــسّ الـــزهــر مـا أحـسـسـتـــه  مـــا أسـتـــقــبـل الصـبـح بـثــغـــر بـاســم

ونـتـيجــة لـلـضغـوط الاجـتمـاعـيــة الكـثيـرة التي أحـاطـت بـه, جـراء مـا يجاهـر بـه مـن أراء وأفكـار, لا تــنـسجـم وظـروف الــمدينـة الـديـنـيـة . وقـد سبـقـت الاشـارة لـهـا فـي موضـع آخـر. فـقـد جاءت قــصيـدتـه بـعـد سنـة , صرخـة داويـة علـى الوضـع الاجتمـاعي والادبـي والـدينـي فـي بلـده . تلك القصيدة التي عـبرت عـن سمـو نـفـسـه , وأعـتـزازه بذاتــه وتفـكيـره . ولـنـرى مـا جـاء بــبـعــض أبــيــاتهــا67 :

سـمــوت بشـأنـي عــن شــؤون لـــداتـي   وأرجـعــــت قـسراً فأنـتــقــدت صـفـاتــي
وأصغيـت محتجاً عـلى الـوضع راجـيـاً   تـيــقـــظ مــيــت بــعـــد طـــــول سـبـــات
وهـيهـات لا نادي‹إبـن حـمـدان›عـامـــر  ولا  ‹حــلــب›  مـكــتـضـة الـحـــلــبـــات
عــذلـت شيـوخ الشعــر عـنـد سكـوتــهـم وطالـبــتــهــم فــي تــلــكــــم الــوثــبــــات
ولمـا درسـت الــوضـع درس مـــجـــرّب رمــيــت يـــراعــي واجــتــنـبـت دواتـــي
إذا ألــف الـبـوم القــصـور فــهــل تــرى  لــغــرّيـــد ذاك الــروض غـــيــر فــلاة  ؟
سـكــتّ ولـي عـيــن تـفـيـض بشعـرهـا  دمــوعـــاً وقـــلــبٌ شـاعـــر الــضـربــات

No comments:

Post a Comment