5- فــتـرة الصمــت أو هـجـر
الشـعــر
مـرت مرحلـة زمنـيـة
مـن عـمـر الجعـفــري , أتسمـت بالشحـة فـي قـول الشعــر. أشارلتلك المرحـلـة
أكـثر من كاتـب ومتتـبـع لنشـاطـه . فمنـهـم من عـبـّر عـنهــا بقـولـ:
‹ الـهـــزار النـاطـق بالأمس , والـصـامـت الـيـوم ›
كالدكـتور محـسن جمـال الديــن 61 . ومنهـم من سـمّـاهــا
‹ مـرحــلـة الصمــت › , كمـا أشـار لهـا الــدكتـور عـلـي جواد
الطـاهــر 62. وشـاركـه في هـذه الـتسـمــيــة , الاديب
النـاقـد الاستاذ عـبد الجبـار البصـري 63. وقـد أرجع
الغالبـيـة مـن الكـتّاب فـترة ‹ الـصمــت › اوهـجـر الـجعــفــري للـشعــر, الى
إنـشغـاله , بمقــتـضـيات الـحـيـاة او الانــصـراف للـنشـاط التربـوي . فــيـقـول
الدكتـور الطــاهــر , وبــنـفـس الـمصدر السابـق , « فــلا يـعــود ذلك الجـعـفــري الشـاعــر الشهـــيــر , وإن عـوض
عـن ذلك بالـتألـق فــي التدريـس ورعـايـة الجيــل» 64 ...
ولكــن المتتـبـع
عـن كـثـب , يـرى أن أسـبابـاً أخــرى قـد تفاعـلـت فـي نفـس الجعـفــري وذهـنـه
,هـي التي جعـلــتـه يهجــر الشعــر . وإن صح التـعـبير , الأبتـعـاد عـن
الــمـيـدان او المسرح كما يقال ! وما التــذرع بالعــمـل الـتـربـوي إلا واجهـة
لـتـلـك الحالـة ‹ الـظـرف › لــديـه . ..
ومـع ذلـك لـم
تـهـدأ محاولات أصدقـاء الجعـفـري , ومحبـيـه والمعجـبين بشـاعـريتـه عـند هـذه
المرحـلـة . فـنجـد صديقـه الشـاعـــر السيـــد محـمــــود
الــحــبـوبـي 65, راح يـهـــيّـج شـاعـريــتـه بمقطـوعـة
رقــيـقـة مؤثــرة , نـقـــتـطـع مــنـهـا هــــذه الابـــيـات :
"أبـا ريـاض" ومــا أدري ولا
الـــنــاس لـم نـاب غــرّيــد روض
الـشـعــر إخـراس
|
أوحشـت أنــديــة قـد كـــنــت مـؤنـســهــا
حـيــنــا فـهـل يـعـقــب الأيـحــاش إيــنـاس
|
أبـا ريـاض أعـــد لـلــروض بــهــجـــتــه
ولــيــنــفــح الــفــل ّ ولــيـعــبـق بــه الآس
|
كـانــت أواهـــل لـمـّــا كــنــت شـاعــرهــا
وقـــد ســكـــتّ طــويــلاً فــهـــي أدراس
|
أبـا ريـاض ريــاض الــشـعـــر آســـفــــة إن
راح يـعـــمــل فــيـهــا بـعــدك الــفـاس
|
ومـع ذلـك, فـبـالـرغـم مـمـا كـان يـنـتـابـه مـن صـراع داخلـي , لأخـتـلاف
مقـاصـده عـن مقـاصد معاصريه . فـقـد أجـاب الـجعـفـري رفـيـقـه الحـبـوبي ‹السيـد محمــود› , بقـصيـدة
نـقــتـطـع منهـا هـذه الأبيــات فــيـقـول في مـطلعـهـا 66 :
أمــا تـــرى الـــزهـــر بــثــغــــر بـاســــم يــشـكــر مــا أســـدت يـــد الــغــمــائـــم
|
حــيــا الــحــيــا ريــاضــه فـــمــــزّقـــت
أنــــوارهــــــا أرديـــــة الـــكـــمــــائــــم
|
وأنـــبـعــثـــت آمــالــــهـــا كــمــا أتــــت
تـسـتــقــبــل الــحــيـــاة عـــيــن الـنـائـــم
|
روح جــــديــــدٌ وشــــبـــابٌ و هــــــوىً
حــــلّ مــحـــل الأعـــظـــم الــرمـــائــــم
|
بـــورك مـن أرسلـهـا تـحـيـة
قــدســـــــــــــيــــة تـــعــــبـــــــق بـالـــــمـــكــــــارم
|
كـأنــمـــا إذ صــرّعـــت قـــد رصّــعـــت
أبــــيــــاتــهــا بـالــــدرر الــــتــــوائـــــم
|
صيـغــيـت مـن اللـّطـــف فـلـو نسـبــتهـا
لأنـــتــســبــت مـــزهـــــوة لـــهـــــاشـــم
|
رقـّــت كأنــفــاس الــصــبـا او
وجــــنـــــات الـــغـــيـــد أو أدمــعـي الــســواجـــم
|
ثــم يعـــرّج ويــشـيــر, ولـو مـن بــعــيــد, الـى مـعـانــاتــه
فــيـخـاطــبـه :
و عـــاذل أعـــزّ مــن قــــلــــبــي وإن
لـــم أُلـــفــي قــلـــبـي قـــبــل هـــذا ظـالــــم
|
أنـــحـــى عــلـــيّ بـالـــمــلام
نـاســيـــاً كـــم يــوجــع
الـمــلــوم عــــنــف الـلائـــم
|
مــاذا الــســكــوت والــزمـــان نـاطـــق بــكــــلّ مـــا فـــيـــه مـــن
الــمــعــــالــــم
|
أجــــبـــتــــه وللـــظــــروف ســـــــورة أقــسـى عــلـى قـــلـبـي مـن الـــضــرائــم
|
فـلــو أحـــسّ الـــزهــر مـا أحـسـسـتـــه مـــا أسـتـــقــبـل الصـبـح بـثــغـــر بـاســم
|
ونـتـيجــة
لـلـضغـوط الاجـتمـاعـيــة الكـثيـرة التي أحـاطـت بـه, جـراء مـا يجاهـر بـه مـن
أراء وأفكـار, لا تــنـسجـم وظـروف الــمدينـة الـديـنـيـة . وقـد سبـقـت الاشـارة
لـهـا فـي موضـع آخـر. فـقـد جاءت قــصيـدتـه ‹ بـعـد سنـة› , صرخـة داويـة
علـى الوضـع الاجتمـاعي والادبـي والـدينـي فـي بلـده . تلك القصيدة التي عـبرت
عـن سمـو نـفـسـه , وأعـتـزازه بذاتــه وتفـكيـره . ولـنـرى مـا جـاء بــبـعــض
أبــيــاتهــا67 :
سـمــوت بشـأنـي عــن شــؤون لـــداتـي وأرجـعــــت قـسراً فأنـتــقــدت صـفـاتــي
|
وأصغيـت محتجاً عـلى الـوضع راجـيـاً تـيــقـــظ
مــيــت بــعـــد طـــــول سـبـــات
|
وهـيهـات لا نادي‹إبـن حـمـدان›عـامـــر ولا
‹حــلــب› مـكــتـضـة
الـحـــلــبـــات
|
عــذلـت شيـوخ الشعــر عـنـد سكـوتــهـم
وطالـبــتــهــم فــي تــلــكــــم الــوثــبــــات
|
ولمـا درسـت الــوضـع درس مـــجـــرّب رمــيــت
يـــراعــي واجــتــنـبـت دواتـــي
|
إذا ألــف الـبـوم القــصـور فــهــل تــرى لــغــرّيـــد ذاك الــروض غـــيــر فــلاة ؟
|
سـكــتّ ولـي عـيــن تـفـيـض بشعـرهـا دمــوعـــاً وقـــلــبٌ شـاعـــر الــضـربــات
|
No comments:
Post a Comment